الأحد، 19 مارس 2017

الدكتور بوعلام مباركي / جامعة سعيدة : توظيف التراث الشعبي في مسرح ولد عبد الرحمان كاكي


تعد تجربة ولد عبد الرحمان كاكي في عمله المخبري الذي يسمى "ما قبل المسرح" من بين
التجارب الأكثر نجاحا في اكتشاف نموذج لمسرح جزائري أصيل شعبي الجوهر نابع من أصالة
وتقاليد هذا الشعب، حيث تستعيد الأشكال المسرحية الماقبلية أغاني المآثر الشعبية حيويتها، وتكيف
للعرض المسرحي إذ خلص كاكي إلى إبراز اللغة المسرحية تتخذ هويتها وميزتها من التراث
الثقافي الشعبي الذي يستلهمه،وتهذيب الوسيط الفني الملائم والمدروس الذي يوحي به في تأسيس
وتأصيل خطاب مسرحي جزائري له شكله وقالبه الفني الخاص به، والمغاير للشكل المسرحي
الأوروبي.
مسرحة لغة المأثرة الشعبية:

لقد أصبحت السمة الغالبة على مسرحيات كاكي، هي إيجاد الوسيط الفني الذي يحول لغة
المآثر المفتوحة على عدة دلالات إلى صور مجسدة بالحركة والصوت على خشبه المسرح، اقتناعا
منه بان المسرح هدفه العرض بالدرجة الأولى، لذا ينبغي تلخيص الكلام المطول واختزاله
بحركات الممثل وإيحاءاته التي تترجم بصدق وبصيغة فنية موافقة للشخصيات وردود أفعالها،
فعلى هذا الأساس تغير أسلوب المسرحية عند كاكي إلى أسلوب جديد، هو اعتمادها على الحركات
والإيحاءات وإبراز مواقف الشخصيات بطريقة محكمة، فاختار بحثه المسرحي بمحاولته الدائمة
لإعادة راهنية الطرق التبليغية المهددة اكثر فاكثر بالزوال، وبفعل عصرنة المجتمع الجزائري عن
طريق استعماله للغة تعبيرية درامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة يتجه بها إلى الأوساط الشعبية
.( ليدرس عادتها وتقاليدها
لقد وظف ولد عبد الرحمن كاكي لغة محكية خاضعة لمنطق السرد أنها لغة تراثية مشحونة
بالإيحاءات والرموز تفيد في تطوير المعاني والأفكار أكثر مما تفيد في التفسير والشرح، لقد اختار
كوسيط ألسني اللغة العربية، كما تتكلم وتستعمل في أغنية المأثرة الشعبية وهي وسيط لم يجمد
نحويا، فهي أكثر حرية، وغنى من ناحية المعنى إنه واع بانتمائه إلى ثقافة نسخية (أو تدوينية) فهو
ابن الحي الشعبي "تجديت" لحفظه ذخيرة من الأساطير والحكايات والأشعار الشعبية، ولم تكن له
عقدة الشرق حيث كان يقول: (أنا أمي بالعربية ولا عقدة أوربية أيضا وهذا بفضل الضمانات التي
.( منحه إياها تراث ثقافي نقلته التقاليد الشفهية التي نهل من ينابيعها)
لغة المداح في مسرحية القراب والصالحين:
وظف كاكي في أعماله المسرحية اللغة ذات الطابع التراثي القريبة من لغة المداح التي كان
يستعملها في لغة الأسواق والحلقات الشعبية فهي لغة ملحونة مؤثرة لها وقع خاص في نفوس
الجمهور تمتع المتلقي وتجعله يفكر في معانيها وإيحاءاتها لغة تكسب فيها الكلمة حيزا زمانيا على
وجه الخصوص، بحيث تنتقل شفهيا في قالب شعري مقفى على شكل قصائد شعرية ملحونة
ومطولة بأسلوب ملحمي، وهذا ما نلاحظه في رواية المداح لقصة الأولياء وتقديمهم للجمهور،
وذلك بلغة شعرية مؤثرة تعبر عن الحدث الدرامي حيث يقول:
المداح: (نهار من النهارات، ونهارات ربي كثيرة،
في جنة الرضوان وجنة ربي كبيرة،
تلاقاو ثلاثة من الصالحين الواصلين قدام وحد المريرة
الثلاثة من أهل التصريف وسيرتهم سيرة
اللي يذكرهم في ثلاثة ما تفوت فيه مديرة
( وإلى يزورهم في ثلاثة ما تركبو غيرة..
يتجلى لنا من خلال هذا التقديم الذي جاء على لسان المداح أن كاكي استعمل لغة شعبية في
قالب شعري مقفى بأسلوب محكي، تجعل من المتلقي يتابع الأحداث، ويفهم معناها.
هذه اللغة الشعرية الملحونة التي جاءت على لسان المداح أرادها كاكي أن تكون لها دلالة
تراثية كانت تستعمل من طرف المداح في الحلقة الشعبية، كما إن حفظه لذخيرة من الحكايات
والأساطير والقصائد في أعماله المسرحية، وارتباط مسرحه بالتراث الشعبي جعل من مسرحياته
عبارة عن لوحات تاريخية أو أسطورية تتسامى بالبعد الإنساني، لتصير نشيد تمجيد دائم لشعب،
لماضي كفاحي ولتقاليد عظيمة لها قيمها وأبطالها.
وفي هذا المجال يقول كاكي: (أنا لا أكتب مسرحياتي للقراءة، إني أصور بكلمات
.( مسرحياتي لتعرض على خشبه المسرح
إن الجزء الخالد في المسرحية هو الكلمات، والكلمات التي ترفع إلى أقصى طاقتها هي
.( الشعر بعينه، وهذا ما ينطبق على قول "كولردج" للشعر بقوله (إنه أفضل الكلمات نسقا)
المرجعية اللغوية في مسرح الحلقة عند كاكي:
تعامل كاكي مع اللغة في مسرحياته كوسيلة للتراث الشعبي ومحاكاته للغة الحكايات
والأساطير الشعبية التي كانت تروى على شكل خطاب في قالب شعري ملحون من طرف
المداحين والقوالين في الحلقات الشعبية حتى كانت تقام في الأسواق والساحات العامة، فكانت هذه
اللغة التراثية الشعبية بالنسبة له معينا لغويا ثرا، وتمكنه من صياغتها في إبداعه المسرحي، كما أنه
تفاعل مع هذه اللغة مفاعلة حية وقف من خلالها على جوهر الأداء المسرحي عند شخصية المداح.
ومن هذا المنطلق يمكننا التوصل إلى إدراك رغبة المداح أو القوال في الحلقة (فضاء
العرض التمثيلي الشعبي) ونقلها إلى العرض المسرحي الحديث "إنه يعني بكل بساطة نقله للعلاقة
ممثلون - متفرجون الخاصة إلى المسرح وإعادة خلق الاستشعار والتعرف الذي يميز هذا النوع
.( من التجمع"( 10
ومن المعلوم أن شخصية المداح (رجل هذه الحلقة) يتميز بالمواجهة وقوة الشخصية، وهذا
ما يجعله يتحكم في إرسال لغته إلى المتفرجين ويتمتع بنفس طويل، انطلاقا من إتقانه للغة الخطاب
الشعرية المؤثرة والموحية تساعده على شد انتباه المتفرج بالإضافة إلى أنه يمتلك معرفة عن
الجمهور الموجود حوله، عن هويته وعن معتقداته، كما أنه يتمتع بخيال مرح لا يعتمد عند خلقه
لأية وضعية إلا على بلغة الكلام القادر على الإقناع بمرامي ملاحظته، وعلى ديناميكية حركاته،
فتصير الحلقة لحظة ساحة (ركحا) حرة تتعاقب فيها حسب صدقه أوضاعه الخلاقة والديكورات
التي يحيط فيها شخصياته تسمح له هذه الوظيفة لكل من الكلمة والإيقاع والحركة، حتى لا يتوقف
خيال المتفرج بديكور واقعي ساكن.
إن استرجاع كاكي للغة المداح وفضاء الحلقة هي صيغة إبداعية معالجة للفضاء كمكان
للعرض (تمثيل)، وتصوير الواقع.
وهذا الفضل يعود ويروي أحداثها، ويمثل معنى الأحداث والخاتمة وللحضور. "وقد احتفظ
كاكي بهذه العلاقة الحية ممثلون - متفرجون. بتأسيسه لوظيفة المداح المسرحية بوصفه عنصرا
( مثيرا للديناميكية بين الخشبة والجمهور..."
لقد سعى كاكي جاهدا باحثا عن لغة تعبير مسرحي متقدمة متجذرة في عمق التقاليد الثقافية
الشعبية الوطنية ومسايرة للعصر. كاستخدامه للشعر الملحون المنقول عن قصائد فطاحل الشعراء
الشعبيين مثل لخضر بن خلوف، وسيدي عبد الرحمان المجدوب وغيرهم مجسدا هذه اللغة الشعرية
الشعبية لتنطق على لسان شخوصه المسرحية فنجدها في حوار الأولياء مع سليمان القراب.
" يقول سيدي عبد الرحمان المجدوب:
ما تجري ما تزقزق واجري جرية موفقة.
( ما تدي غير اللي كتب لك، لو كان تموت بالشقى..."
ولقد عمل أيضا بطريقته على تحقيق مسرح تكون لغته أكثر تعبيرا على احتياجات
الجماهير، ودافعا لهم لنظر في واقعهم اليومي والعمل على تجاوزه وتخطية.
إن تجاربه المسرحية التي قدمها، صاغها بلغة شعبية عامية تتوافق مع معادلته الموضعية
في استلهام التراث الشعبي وتكييفه، وعصرنته حسب روح العصر وأذواق الجماهير الشعبية، وإن
تجربته في استخدام لغة شعبية التي قدمها في شكل خطاب مسرحي جديد تناول فيه مواضيع من
التراث الشعبي، فمسرحيات "كل واحد وحكمه" و"بني كلبون"، و"ديوان الملاح"، و"القراب
والصالحين" وغيرها من أعماله المسرحية، وهي من أعماله المسرحية، هي من أهم التجارب
المسرحية في الجزائر، حيث اعتمدت على لغة تراثية سهلة الفهم، توحي برموز ودلالات أكسبتها
جمالية جديدة في الخطاب المسرحي وصياغة المسرحية، كما يعلق على ذلك ولد عبد الرحمان
كاكي على لسان شخصية المداح الذي يستهل الشيوخ: "سيتقرر بين الدرويش والشيخين أن هذه
.( المسرحية لن تحدث لا أمس لأنه مات، ولا اليوم لأنه محسوب على الغد، ولا غد لأنه أمل"( 13
هذا المبدأ الجمالي الذي يستعيد فيه كاكي لغة الخطاب الشعبي التقليدي ليدخل عليه
تطعيمات من فضاء المأثرة الشعبية وطاقات المداح التبليغية، فهو يتعامل مع اللغة في خطابه
المسرحي الجديد كأداة تراثية منقولة من فضاء الحلقة، وأغاني المأثرة الشعبية، وقصائد المداح
الشعرية الملحونة لتجسيدها في العرض المسرحي.
ولقد كانت لغة كاكي هادفة، حيث اهتم بتقديم مشاكل حياة الإنسان وخلق منها نماذج
درامية، عبر عنها بلغة عامية شعبية بسيطة، إيحائية ورمزية تكشف عن الغموض، وتدعو المشاهد
إلى إدراك واقعه الاجتماعي والسياسي. وأهم ما يميز هذه اللغة الشعبية التي أستعملها كاكي في
صياغة أعماله المسرحية، هي أنها تجعل المسرح وسيلة من وسائل تغير الواقع، وخلق الأفضل
منه، فوجد في لغة وأداء المداح الجواب الأمثل عن رغبته في خلق التغريب المسرحي البر يختي.
أراد كاكي من خلال استعماله اللغة العامية الشعبية، تقريب خطابه المسرحي من الجمهور
الشعبي، وإدخاله لمجموعة من المقاطع الغنائية الشعبية المعروفة، التي يتفاعل معها الجمهور مثل
المقاطع الغنائي، الذي يردده "القراب في مسرحية القراب والصالحين": "آ الماء، ها الماء، ماء
.( سيدي ربي، جايبو، من عين سيدي العقبى"لغة الاحتفال المسرحي:
لقد طورت لغة مسرحيات ولد عبد الرحمان كاكي العلاقة بين المسرح والجمهور. حتى
أصبحت هذه اللغة احتفالية جماهيرية. "فاللغة في النصوص المسرحية الاحتفالية لن تعتمد على
الكلمات، بل ستعتمد على جميع مفردات العرض المسرحي، بحيث تصبح الاحتفالية كلها لغة
والاحتفال بالأساس لغة، لغة أوسع وأشمل وأعمق من لغة اللفظ (الشعر، القصة) ومن لغة اللحن
(الغناء - الموسيقى) ولغة الإشارات والحركات (الإيماء). وهي لغة جماعية تراثية شعبية تقومعلى المشاركة الوجدانية والفعلية"( 15
هكذا كانت لغة مسرحياته مرتبطة بالمشاركة في أداء الفعل الجماعي للممثلين، فوجد في
شكل لغة "مداح" الجواب الأمثل عن رغبته في تحقيق التبعيد البريختي للمتفرج في علاقته بالأفعال
المتكيفة. فتبعيد الواقع في علاقته بالخيالي ضرورة لكل وعي بالجوهر التربوي لكل حدث
مسرحي. إن المفهوم التقليدي في الفضاء (الحلقة). في أغلبية المآثر الريفية وأيضا شكل الخطاب،
وتقنيات التمثيل ما قبل المسرحية التي تحويها قد استعيدت، وكيفت مع الخشبة المسرحية
المعاصرة.
وكان انفجار الفضاء المسرحي ذي تقليد أوروبي في خدمة الشكل تعبير أفرزته الحياة ريفية
جزائرية لأن هذا الشعب كان دائما زراعي الطابع أعطى الولادة لمجتمع ثقافته الفلاحية، هذه هي
الثقافة التي كشف عنها كاكي بواسطة كتابة لغة درامية ملائمة لمحتوى رسالته الفنية ومستهلكها.
وهذا كان واجب عليه وضع معادلته الفنية على احتواء تقليد شعري عريق حسب وسائل اتصال
حديثة دون إضاعة المشاهد المعاصر.
وجدوى هذه الكتابة اللغوية الشعبية تكون أولا في تأكيدها على مسرحية تقليدية جزائرية
تراثية. ومن هنا أصالتها،ثم جعلها لغة درامية فعالة،يمكن لهذه الفعالية أن تقاس بالنظر إلى التجربة
التأليف الجماعي.
وتكون هذه التجربة قد ساهمت في العمل على قبول والتصنيف الممكن للغة العامية الدارجة
كلغة وطنية كلما اعتبر دورها (كمرب للحس الشعري الشعبي، والخيال السردي، ولتذوق حكم
.( الأيام وأمثالها أولوية أساسية لكل مطالبة بالتراث الشعبي الثقافي الجزائري)
إن عودة ولد عبد الرحمن كاكي إلى استلهام التراث الشعبي في صياغة أعماله المسرحية
اكسبته لغة درامية أصيلة ثرية بثراء الفكر الذي تعبر عنه. فقدرته على استيعاب معطيات هذه
اللغة التراثية وتفجير طاقتها، عند ذلك تفجرت لديه مكونات الأفكار وأساليب التعبير الدرامي
المؤثر في الجمهور المسرحي وهذا ما حقق لكاكي (إنجاز كبير من خلال تجربيه المسرحية)، وهو
عنصر أساسي من عناصر الإبداع المسرحي في تعامله مع اللغة كوسيلة تعبيرية، ومحاكاته للغة
.( التراثية الشعبية)
وبهذا استطاع هذا الفنان بفعل استرجاعه للغة المأثرة الشعبية، ولغة الشعر الملحون أن
يكيفها حسب قالبه المسرحي الجديد، الذي يستعيد بواسطته فضاء الحلقة وأداء المداح، ولقد كان
لهذه اللغة المستعملة في مسرحه تأثيرا وتجاوبا كبيرا من طرف الجمهور المسرحي، وذلك لإيحائها
وتعبيرها عن أصالة هذا الشعب وإعادتها لإحياء التراث الشعبي، وعصر نته عن طريق العرض
والأداء المسرحي،ضمن خطاب مسرحي موجه إلى الطبقات الشعبية معبرا عن واقعها السياسي
والاجتماعي.
.......منقول :من حوليات التراث- بوعلام مباركي -جامعة سعيدة[b]

تاريخ المسرح



تعريف المسرح

المسرح أو الفن الدرامي تأليف أدبي مكتوب بالنثر أو الشعر
بطريقة حوارية، وهو موجه للقراءة أو العرض. ويستعين المسرح الدرامي بمجموعة منالعناصر الأساسية أثناء العرض مثل: الكتابة والإخراج والتأويل والديكور والملابس.وتشتق كلمة دراما من الفعل والصراع والتوتر. وقد يكون المسرح في تاريخه القديمناتجا عن الرقص والغناء

المسرح الإغريقي

لقد ظهر المسرح لأول مرة في اليونان وذلك في القرن السادس قبل الميلاد، ويعد كتاب أرسطو( فن الشعر) أول كتاب نظري ونقدي لشعرية المسرح وقواعده الكلاسيكية. وقد نشأ المسرح التراجيدي حسب أرسطو من فن الديثرامب الذي يمجد آلهة ديونيزوس بالأناشيد والتاريخ. وحسب الأسطورةيعد ثيسبيس أول ممثل بلور الفن الدرامي متقمصا دورا أساسيا في القصة الديثرامبيةوذلك في القرن السادس قبل الميلاد، وكان مرنما كلما أنشد منولوجا ردت عليه الجوقةبما يناسب ذلك. وكانت هذه المحاولة البداية الفعلية للآخرين لتطوير المسرح نحو جنس أدبي مستقل
ولم تعرف التراجيديا اليونانية أوجها إلا في القرن الخامس قبلالميلاد، إذ ظهر أكثر من ألف نص تراجيدي، ولم يبق سوى واحد وثلاثين نصا فقط. و قدكتب هذه النصوص الدرامية كل من أسخيلوس وسوفكلوس ويوربيديس.وتتفق هذه التراجيدياتفي بناء صارم يتمثل في الصياغة الشعرية، وتقسيم المتن إلى فصول، وتناوب الحوار بين الشخصيات( أكثر من ثلاث شخصيات)، والجوقة التي تردد الأناشيد الشعرية، والقصص المأخوذة من الأساطير القديمة أو التاريخ القديم حيث يستوحي منها الشعراء الدراميونبكل حرية أسئلتهم السياسية والفلسفية
وتقام المسرحيات في أثينا إبان حفلاتديونيسوس: إله الخصب والنماء. وقد اعتاد اليونانيون أن يقيموا للآلهة حفلين: حفل فيالشتاء بعد جني العنب وعصر الخمور؛ فتكثر لذلك الأفراح وتعقد حفلات الرقص وتنشدالأغاني ومن هنا نشأت الكوميديات. وفي فصل الربيع، حيث تكون الكروم قد جفت وعبستالطبيعة وتجهمت بأحزانها مما أفرز فن التراجيديا. وكانت تجرى مسابقات مسرحيةلاختيار أجود النصوص الدرامية لتمثيلها بهذه المناسبة الديونيسوسية ذات الوظيفتين:الدينية والفنية. و لابد أن تفوز بهذه المسابقة ثلاثة نصوص تمثل وتعرض أمام المشاهدين، ومن شروطها أن تكون هجائية تسخر من الآلهات وتنتقدها
وشهدت الكوميديا تطورا كبيرا منذ منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. ومن أهم الكوميديين نجد أريستوفانوس بمسرحيته الرائعة( الضفادع)، وكانت الكوميديا تنتقد الشخصيات العامةوتسخر من الآلهات بطريقة كاريكاتورية ساخرة. وقد حلت الكوميديا محل التراجيديا فيالقرن الرابع قبل الميلاد
وانتشرت الثقافة الهيلينية في أصقاع العالم بفضل غزوات الإسكندر الأكبر، وذاع صيت المسرح اليوناني بكل أنواعه وقضاياه وأبنيتهالفنية
وإذا تأملنا معمارية المسرح اليوناني وجدنا العروض المسرحية تقدم فيالهواء الطلق في فضاء مسرحي دائري محاط بمقاعد متدرجة من الأسفل إلى الأعلى على سفحالهضبة في شكل نصف دائرة( المدرج)، ويحضره ما بين 15000و20000 من المشاهدين الذينكانوا يدخلون المسرح مجانا؛ لأن المسرح من أهم المقاطعات العمومية التي كانت تشرفعليها الدولة- المدينة ووسيلة للتوعية والتهذيب الديني والتطهير الأخلاقي
ويمثل على خشبتها المنبسطة ممثلون يلبسون ثيابا عادية مخصصة لكل دور درامي مناسب،كما كانوا يضعون على وجوههم أقنعة نشخص أدوارا خاصة، وكان الممثلون محترمين ولهممكانة سامية في المجتمع اليوناني. ويمتزج في النص المعروض:الدراما الحركية والغناءوالرقص والشعر؛ مما يقرب العرض من الأوبرا أكثر مما يقربه من المسرح الحديث



المسرح الروماني:
لم يتطور المسرح الروماني إلا في 
القرن الثالث قبل الميلاد.وقد ارتبط هذا المسرح بالحفلات الدينية التي كانت كثيرة،كما كان للمسرح وظيفة الترفيه و التسلية مع انعقاد الحفلات الدنيوية. وتعدالكوميديا الشكل الشعبي المعروف في الرومان القديمة منذ القرن الثاني قبل الميلاد،وقد ازدهرت مع بلوتوس وتيرينس المتأثرين بالكوميديا الإغريقية الجديدة
ومنالتراجيديات المعروفة في الرومان نجد مسرحيات سينيك إبان القرن الأول قبل الميلادوتراجيديات سالون التي سارت على غرار التراجيديات الإغريقية. بيد أن المسرح الروماني سينقرض مع ظهر الكنيسة المسيحية وسقوط الإمبراطورية الرومانية، فاختفىبذلك المسرح الكلاسيكي: اليوناني والروماني من الثقافة الغربية لمدة خمسة قرون

-مسرح العصور الوسطى:
وعلى الرغم من ذلك، فلقد ظهر المسرح في
العصور الوسطى في أحضان الطقوس الدينية ضمن فضاء الكنيسة المسيحية الكاثوليكيةوكانت النصوص الدرامية تقام بالمناسبات الدينية والفلكلورية والوثنية: (dimanche des Rameaux ) 
وفي هذه الفترة استثمرت القصص الإنجيلية وأحداثها الطقوسيةوالقداسية في توليد العروض المسرحية التي تجسد الصراع بين ما هو دنيوي وأخروي،وصراع مريم والمسيح ضد الأهواء والشياطين. واستعان الممثلون بفنون حركية وملابس درامية خاصة، وكان هذا بداية جنينية للإخراج المسرحي. وإذا كان المسرح الروماني قدارتبط بفضاء معمارية الإمبراطورية اليونانية فإن المسرح في العصور الوسطى ارتبط بفضاء درامي ديني طقوسي لا يخرج عن فضاء الكنيسة أو الكاتدرائية الإنجيلية أوالفضاءات الدينية ذات الديكور الديني الإنجيلي المعروف التي تجسد ثنائية الجنةوالجحيم والأهواء وخطاب المعجزات والمقدسات الدينية
ومن النصوص التي تعود إلىتلك الفترة نص مجهول أنجلو نورماندي بعنوان( لعبة آدم) يتضمن 942 بيتا شعرياوإرشادات مسرحية غنية وواضحة مكتوبة باللاتينية
ويلاحظ أن في هذه الفترة يمكنالحديث عن أنواع ثلاثة من المسرح الوسيطي

أ- المسرح المقدس( الديني)؛
ب- المسرح المدنس( مسرح دنيوي هازل)؛
ج- المسرح الأخلاقي الذي تشرب منتعاليم الإنجيل وقيمه التهذيبية


( المدرسة الكلاسالمسرح في عصر النهضة أو المسرح الكلاسيكي الجديديكية): 
في عصر النهضة، أثرت ثورة الإصلاح 
الديني البروتستانتي بقيادة مارتن لوثر على المسرح، فأخرجه من طابعه المقدس إلىطابع هزلي دنيوي مدنس.وقد انطلق المسرح الكلاسيكي في عصر النهضة من شعرية المسرحالإغريقي والمسرح الروماني؛ ذلك ببعثه وإحيائه من جديد قصد تطويره والسير به نحوآفاق جديدة

أ- المسرح الإيطالي:

ظهر شكل مسرحي جديد بإيطاليا فيالقرن الخامس عشر الميلادي، وقد سار على المنوال الروماني مستفيدا من نظريات أرسطوفي فن الشعر مستبعدا كل ما كان قبل ذلك من مسرحيات دينية وفلكلورية ودرامية، وأصبحالبحث الدرامي بحثا جماليا وبلاغيا خالصا.وكانت لاتقام المسرحيات إلا في إطار حفلاتالمجالس والجمعيات المسرحية. ومن أهم النصوص في تلك الفترة مسرحية مكيافلي Machiavel بعنوان( ماندراﭽور Mandragore)، وهي مسرحية هزلية وقحة فظة
ومن أهممبادىء مسرح عصر النهضة الكلاسيكي:احترام مبدأ المحاكاة الحرفية للواقع ورفض الوهمو اللاواقع والتركيز على المثال الأخلاقي والصرامة الجمالية والفصل الدقيق بينالأجناس ( التراجيديا/ الكوميديا)، وينبغي أن تظهر الشخصيات باعتبارها نماذجإنسانية لا كأفراد أحياء واقعيين، والالتزام بالوحدات الأرسطية الثلاث كوحدة الحدث ( حدث درامي واحد)، ووحدة الزمن( حدث يقع في 24 ساعة)، ووحدة المكان
تجريالأحداث المعالجة في مكان درامي واحد)؛ لأن عدم الالتزام بهذه القواعد الثلاثيتنافى مع المبدأ الذي أرساه أرسطو ( المحاكاة)، والاعتماد على العقل، والتأثير علىالجمهور واستجلاب مواقفه وردوده الانفعالية
ومن التجديدات المسرحية التي عرفهاالمسرح الإيطالي أن العروض كانت تقدم في فضاءات ركحية مبنية: في القاعات أو ساحاتالقصور أو تتخذ شكلا مستطيلا مع الارتباط بمعمارية الهندسة المسرحية الرومانية. ومعاكتشاف المنظور، سمح للتصور السينوغرافي بخلق الإيهام بالواقعية الدرامية، وتمتنويع الديكور، وإثراء الفصول الدرامية الخمسة بمشاهد وعروض مجازية استعارية دخيلةتتخلل هذه الفصول.وقد وضع فاصل معماري(غطاء)لفصل قاعة الجمهور عن خشبة التمويهالفني
وإلى جانب هذا المسرح، ظهر فن جديد يعتمد على الغناء والترنيم وهو فنالأوبرا الذي خصصت له مبان فاخرة وفخمة تردادها الطبقة الأرستقراطية التي تأتي لالسماع العروض الغنائية بل لكي ترى
صارت الأوبرا فنا شعبيا منتشرا في إيطاليامنذ 1600م ، و ظهرت الكوميديا الشعبية المرتجلة( كوميديا دي لارتيdell’arte)، وكانلها جمهور واسع فيما بعد. وقد بلغت أوجها بين 1550و1650
ب- المسرح الفرنسي

تنطلق النصوص المسرحية الفرنسية الكلاسيكية من عدة مبادىء أرسطية تتمثل في
• تقليد الطبيعة أو تقديم صور فنية منظمة وجيدة عن الطبيعة؛
• احترام العقلوالابتعاد قدر الإمكان عن الوهم والخيال؛
• الوظيفة الأخلاقية المبنية علىالإرشاد وتعليم الناس القيم الأخلاقية وتغيير المجتمع عبر نشر الفضيلة ودرءالرذيلة؛
• احترام مبدأ المحاكاة؛
• مراقبة اللياقة والأدب؛
• الالتزامبالوحدات الثلاث
ولم يظهر المسرح الكلاسيكي في فرنسا إلا في1630م مع تراجيديات
راسين Racine وكورناي Corneille. وكانت مبادىء المسرح اليوناني تحترم بشدة،وعندما حاول كورناي في مسرحيته( Le Cid السيد) انتهاك قاعدة المحاكاة لم تجزهاالأكاديمية الفرنسية على الرغم من نجاحها.وكانت المسرحيات الكلاسيكية الفرنسيةتعتمد على الأساطير وتمثل البنية الدرامية الموروثة واستعمال الإيقاع الكلاسيكيالجديد
وإلى جانب التراجيديين راسين وكورناي كان هناك المسرحي الكبير موليير Molièreالذي أنتج هزليات مضحكة متأثرا بالكوميديا الشعبية الإيطالية وكوميدياتالقيم. وكان موليير أكبر ممثل كوميدي في عصره، يدير شركة مسرحية تحولت بعد موتهبقرار لويس 14 إلى الكوميديا الفرنسية التي تعد اليوم أقدم مسرح وطني في العالم

ج- المسرح الإنجليزي

تطور المسرح الإنجليزي في عهد إليزابيتالأولى في أواخر القرن السادس عشر حيث أبقى تقاليد المسرح الشعبي في العصور الوسطىومع التطور السياسي والاقتصادي وتطور اللغة، ساهم الهواة الدراميون أمثال توماسكايدTHOMAS KYDوكريستوفر مارلو Christopher Marlowe في نهضة المسرح الملحمي الذيبلغ نضجه وازدهاره مع وليام شكسبير
وقد اعتمد شكسبير في بناء مسرحياته علىسنيك وبلوتوس والكوميديا المرتجلة، ومزج بين التراجيديا والكوميديا، كما مزج بينالمشهد والرقص والغناء. وكانت عقده الدرامية ممتدة في الفضاء الزمكاني.وكان يستقرىءالتاريخ بدل الأسطورة.وكانت الكوميديات الإنجليزية رعوية تستعمل عناصر سحرية وغيرعقلية. وظهر رواد دراميون بعد شكسبير مثل بن جنسون Ben Jonson. وبعد وفاة الملكةاتخذ المسرح شكلا مظلما وقحا خاصة مسرحيات جونسون
وفي 1642، تم إغلاق المسارحوتدميرها وتخريبها بسبب الحرب الأهلية وقرار البرلمان الذي انساق وراء ضرورة الغلقتحت ضغط المتزمتين الصارمين.واستمر الوضع حتى 1660. وبعد عودة الاستقرار أصبحالمسرح موجها إلى نخبة محدودة، وارتكن الفن الدرامي إلى محاكاة النصوص الفرنسيةوالإيطالية، ولأول مرة تعطى للمرأة أدوار تشخيصية مناسبة منذ العصر الوسيط. ومن أهمكتاب المرحلة نجد وليام كونجريف William Congreve. 

د- المسرح الإسباني

عرف المسرح الإسباني في عصر النهضة نفس التطور الذي شهده المسرح الإنجليزيفي عهد إليزابيت الأولى بالخصوص في منتصف القرن17م مع لوبي دي فيكا Lope de Vega وبيدرو كالديرون Pedro Calderon. وكان هذا المسرح مقترنا بالتقاليد الإسبانيةالقائمة على الأفكار المثالية المرتبطة بالشرف والحق الإلهي المقدس، وكان الجمهورالمثقف هو الذي يقبل على هذا النوع من المسرح، لكن هذا المسرح لن يعرف التطور الذيعرفه المسرح في فرنسا وانجلترا بل سرعان ما انطفأت شعلته يسبب هزيمة إسبانيا فيمعركة أرمادا ومحاكم التفتيش والتوجه الديني الصارم

هــ- المسرح في القرن18م

في بداية القرن 18 م، قليل من الكتاب الدراميين في فرنسايستوجبون الاحترام باستثناء جان فرنسوا رينيارد Jean – François Regnard وألان رونيلوساج Alain René Lesage. وقد أعطى مسرح الشارع وساحات الأعياد شكلا مسرحيا جديداهو المسرح الشعبي. وكان المسرح في هذا القرن كأنه كتب للممثلين حيث تكتب النصوص حسبأذواقهم ورغباتهم؛ ولكن ضمن القواعد الكلاسيكية. واشتهرت نصوص رائعة في هذه الفترةمثل روميو وجولييت والملك لير. وقد ساهم بعض النقاد مع عصر الأنوار في تطوير المسرحمثل فولتير وديدرو والآنسة كليرون Mlle Clairon وليسينجLessingفي ألمانيا. وقدكانت توضيحاتهم النقدية والإصلاحية علامات مضيئة لفن الإخراج المسرحي

المدرسة الرومانسية

ظهرت المدرسة الرومانسية في القرن التاسع عشر الميلادي
مع مجموعة من الرواد الكبار أمثال فيكتور هيجوV . Hugo وألسكندر دوما Alexandre Dumas (هنري الثالث ومجلسه) ، وألفرد دو موسيه Alfred de Musset(لورينزاصيو Lorenzaccio، لا نتلاعب بالحب، ليلة البندقية، تقلبات ماريانا، فانتازيو..)، وألفرددوفينيه Alfred de Vigny وجوته Goethe صاحب مسرحية( فاوست) وشيلرSchiller... 
ومن مرتكزات الرومانسية في المجال الدرامي:

أ- حرية الإبداع؛
بتكسير الوحدات الثلاث؛
ج- الخلط بين الأجناس الأدبية وتوحيدها في بوتقة واحدةكالمزج بين التراجيدي والكوميدي، والجمع بين الشخصيات النبيلة والدنيئة، وبين الضحكوالبكاء؛
د- الجمع بين الرفيع والوضيع؛
هــ- محاكاة الطبيعة

وتعدمقدمة كرومويل Cromwell (1829) البداية الفعلية لتأسيس المسرح الرومانسي الثائر علىالمسرح الكلاسكي المرتبط بقواعد أرسطو وتعاليم المسرح الروماني
وينطلق هذاالمذهب الرومانسي من فلسفة جان جاك روسو الداعية إلى العودة إلى الطبيعة والثورةعلى مجتمع المدنية والفساد. كما نجد هذا المذهب يدافع كثيرا على فن الفرد والشخصيةوتشخيص الذات والإيمان بالعاطفة بدل العقل، لذا تحضر لديهم صور روحانية مجردة تسموبالإنسان. ودراميا، استوحى آراء شكسبير الدرامية في الثورة على الوحدات الثلاثالمعروفة، وتنويع النغمات والخلط بين الأجناس
وقد انطلقت الرومانسية فيألمانيا مع جوته صاحب( فاوست) الذي اشترى منه الشيطان روحه مقابل سيطرته على العالموتملك القوة. وتعد هرناني Hernani (1830)لفكتور هيجو نموذجا رومانسيا يوضح لنا رؤيةهوجو تجاه المذهب الكلاسيكي. ففي هذه المسرحية نجد عقدتين: سياسية وعاطفية، وتقع فيعدة مواقع وأمكنة: تارة في ساراغوس، وتارة في جبال أراغون، وتارة أخرى في إيكس لاشابيل Aix- la Chapelle أي بين إسبانيا وفرنسا، وتمتد الرواية كذلك عبر شهور عدة،والمحاكاة مهملة فعلا في هذه المسرحية التي تعلن بداية المسرح الرومانسي.وهذا ينطبقأيضا على مسرحيته روي بلاسRuy Blas( 1838)؛ بيد أن مسرحيته بورﭽراف Les Burgraves (1843) تشكل نهاية المرحلة الرومانسية

المدرسة الطبيعية

تستندهذه المدرسة التي ظهرت مع إميل زولا سنة1880 إلى العلوم البيولوجية والفلسفةالتجريبية وأعمال داروين وكلود برنار وتين. ويقرن زولا الأدب بالملاحظة والتجريب؛وذلك بدراسة الشخصية في إطارها المكاني والزماني باستعمال التجربة وتكرارها قصدملاحظة السلوك الإنساني الذي يخضع لما هو فردي واجتماعي قصد الوصول إلى الحقيقةوالمعرفة الصادقة في فهم الشخصية وتفسيرها. أي أن الفن الطبيعي هو الذي ينقل لناالأحداث كما تقع في الطبيعة ودراسة آلياتها مع التحكم فيها من خلال تغيير العواملالمكانية والظرفية دون إبعاد قوانين الطبيعة. وكل هذا من أجل معرفة الإنسان معرفةعلمية بسلوكه الفردي والاجتماعي ودراسة أهوائه ونوازعه
وقد بنيت الدراماالطبيعية على الاستقراء السيكولوجي والملاحظة الموضوعية لإيجاد حلول علاجية لشخصياتمرضية كأن المسرح علاج وشفاء تطهيري للأفراد والجماعات. وأصبح المسرح يبحث عنالعلاج لكل الأدواء والجروح الاجتماعية. وكانت المسرحيات تقدم الحياة في ثوبهاالطبيعي ولكن بطريقة فنية. وكانت كل العناصر الدرامية في المسرح الطبيعي تسعى إلىتطوير فعالية رسم القيم والأخلاق كما نجد في نصوص هنري بيك Henry Becque. 
ومعالمدرسة الطبيعية، ظهر المخرج بالمفهوم المعاصر. أما قبل ذلك، فكانت العمليةالإخراجية يتكلف بها الكاتب أو الممثل الرئيسي حيث يقرأ النص ثم يوجه الممثلين أوالديكوري ويطبع لمجموعة العرض أسلوبا منسجما مرتجلا. ولقد فرض تعدد الاختصاصاتوالبحث عن الواقعية الحقيقية وتطفل الكتاب على المسرح إيجاد مخرج متخصص في المسرحويعد دوق جورج الثاني Duc George بساكس مينشن Saxe- Meiningen بألمانيا الذي كانيسير مسرحه بمينشن أول مخرج حقيقي إذ كان يعتمد أسلوبا سلطويا وكان له تاثير علىعدة أجيال. وفي فرنسا، يعتبر أندري أنطوانAndré Antoine أول مخرج مسرحي الذي أخرجللمسرح الحر عدة مسرحيات طبيعية وكان يوجه ممثليه إلى تدقيق التفاصيل والسير بهمنحو تقليد وفي للحياة
وقد ساهمت الواقعية السيكولوجية في تطوير المسرح ودراسةالشخصية دراسة سيكواجتماعية ولاسيما الشخصيات المعقدة والمركبة مع النرويجي هنريكإبسن Henrik Ibsen والسويدي أوغوست شتريندبرغ August Strindbergاللذين يعدانالمؤسسين الحقيقيين للمسرح المعاصر. وفي روسيا، ازدهر المسرح الواقعي في القرن 18ممع أوطروفسكي Ostrovski وجوجول Gogol؛ بيد أن الواقعية ستهيمن على المسرح الروسي معنهاية القرن التاسع عشر الميلادي حيث سنجد مجموعة من الطبيعيين أمثال:ليوتولوستويوماكسيم كوركي وأنطوان تشيكوف وكذلك قسطنطين ستانيسلافسكي الذي أنشأ مسرح الفنبموسكو، وطور طريقة في التمثيل تعتمد على الاقتصاد في الإكسسوارات والتمسكبالواقعية الحقيقية في إظهار العواطف الحقيقية لدى الممثلين كما قدم مسرحياتطبيعية، ولا ننسى كذلك تشيكوف الذي حقق نجاحا كبيرا




المدرسة الرمزية

ظهرت الرمزية بعد هزيمة حرب1870 و مع الثورة ضد القيم
البورجوازية المادية والتأثر برؤية الموسيقي الألماني ريشارد فاجنرRichard Wagner. 
و يرى فاجنرأن الكاتب الموسيقي الدرامي عليه أن يرسم عالما مثاليا، وأن يخلقأساطير على غرار المسرح القديم، وأن يثير العالم الروحي الداخلي للشخصيات المرصودة،وألا يتم التركيز فقط على المظهر الخارجي. وكانت لهذه الآراء أثر كبير في الأوساطالمثقفة في فرنسا سنة 1880؛ مما ساهم في إفراز تيار أدبي رمزي يدعو إلى اللامسرحالذي يعتمد على الروحانيات وتداعي اللاشعور واستعمال الصور الرمزية والإيحاءاتالحدسية الانزياحية مع توظيف إيقاع بطيء واستقراء ما هو مضمر في النفس الإنسانيةوالتمرد على الواقع والجنوح نحو اللاعقلانية. ونستحضر بالخصوص نصوصا مابين1890/1900 لموريس ماتيرلنك Maurice Maeterlinck أو بول كلوديل Paul Claudel ونصوص تشيكوف وإبسن أو ستريندبرغ. وقد ساهمت أفكار الرمزيين في بلورة نظرياتالسويسري أدولف آبياAdolph Appiaوالمخرج البريطاني إدوارد غوردون كرايج Edward Gordon Craig الذين ثارا ضد واقعية الديكورات الملونة مقترحين عناصر موحية ومجردةمع استعمال لعبة الإضاءة لخلق الانطباعات بدل الإيهام بالواقع.وفي 1896، قام المخرجالرمزي لونيي بو بتركيب مسرحية ألفريد جاري Alfred Jarry (أبو ملكا Ubu Roi) وهيمسرحية مهيجة وشاذة

المدرسة الانطباعية
نشطت الحركة
الانطباعية بألمانيا في سنوات1910 -1920 مصورة المظاهر القصوى والغريبة للروحالإنسانية خالقة عالما من الكوابيس المزعجة. ومن الناحية السينوغرافية، تتميزالتعبيرية بالانزياح والشذوذ والمبالغة في الأشكال واستعمال الظلال والأضواء بشكلإيحائي. ومن النماذج التمثيلية لهذه التعبيرية نجد جورج قيصر Georg Kaiserوإرنستطولر Ernst Toller. وقد طبق أوجيل أونيل Eugene O’Neill هذه الطريقة منذ سنة 1930في الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة في( الإمبراطور جون) و( الغريب الفاصل) قصدتوظيف سيكولوجية الشخصيات بشكل أفضل.

المدرســــــة الدادية: 

لم
تظهر الدادية إلا كرد فعل على ويلات الحرب العالمية الأولى التي دمرت الإنسانالأوربي، و كرد فعل أيضا على العقل الغربي الذي استلب الإنسان الأوربي وجعلته بدونإرادة وحرية، ولم يجد له حلولا شفائية لمشاكله الروحية؛ لذا التجأت هذه المدرسة إلىالتغني باللاعقلانية والثورة على الواقع الموبوء بالحروب والدمار والخراب. ويعدالأديب الروماني تسارا أحد المبلورين لهذا المذهب سنة 1917م بعد أن اجتمع بمجموعةمن الفنانين والأدباء بزيوريخ بسويسرا ناقمين على العقل الواعي والحروب الطائشةالتي أرجعت العالم إلى عهد الطفولة( كلمة دادا كلمة طفولية تقولها الأمهات للأطفالعند تعليمهن المشي لهم) قصد إظهار موقفهم بكل صراحة من هذه الحرب الطاحنة. وشكلهؤلاء المنعزلون عن الحرب الغاشمة حركة الدادية

المدرسة السريالية: 
تبلورت هذه المدرسة كرد فعل على التيار الواقعي والطبيعي، وامتحت تصورها من
سيكولوجية فرويد ومن اللاشعور والعقل الباطن واستلهام الذاكرة والأحلام. وظهرت هذهالحركة في سنة 1919 ونضجت في العشرينيات. ومن مبادئها التسلح باللاوعي واللاعقلانيةوأن الحقيقة هي التي يعبر عنها العقل الباطن والأحلام و ذلك بالتحرر من سيطرة العقلوالوعي والمنطق. وقد أعطيت الأهمية الكبرى للنفس الإنسانية واستنطاق اللاوعي؛ لذلكتعتبر الفن نابعا من الفوضى والهذيان على غرار التحليل السيكولوجي القائم على تداعيالمعاني تداعيا حرا بدون رقابة أو محاسبة عقلية واعية من قبل الأنا الأعلى. ومنالمنظرين لهذا المذهب الأدبي أندريه بريتون André Breton الكاتب الفرنسي الكبير،ومن رواده أيضا لويس أراغون Louis Aragon وفيليب صوبولت Philippe Soupault وفي مجالالدراما نجد كيوم أبولينير( أثداء تيريزيا)، وروجر فيطراك Roger Vitrac( فيكتور أوأولاد السلطة)، ونجد كذلك جان كوكتو يكتب مسرحية بعنوان( الآباء المفزعون) تسير فيالاتجاه السريالي الثائر على الواقع الموجود

المدرسة المستقبلية

المستقبلية أو المستقبليون عبارة عن مدرسة فنية وجمالية وأدبية إيطالية
انطلقت في باريس في سنة 1909 على يد مارينيطي Marinetti الذي كان يمجد الحركةوالمستقبل والتقنية والحداثة. وقد استفادت الفنون بهذه الحركة من بينها المسرحوالتشكيل الذي برع فيه كل من بالا Ballaوبوكشيوني Boccioni وسيفيريني . Severini. وفي روسيا، هي حركة أبية ظهرت ما قبل الحرب مع موياكوفسكي MAIAKOVSKI. 

مسرح التغريب

ظهر مسرح التغريب مع المنظر الألماني بريشت
 BRECHTكرد فعلعلى المسرح الواقعي. ويرى بريشت أن الفن الدرامي وسيلة لتحويل المجتمع ووسيلةسياسية قادرة على تحريك الجمهور والسير به في السياق الاجتماعي.وبهذا المنطق، كتببريشت نصوصا ملحمية ( عكس النصوص السردية) التي تستدعي مشاركة الجمهور المتفرجلتقديم أحكامه العقلية على العروض المسرحية عن طريق عملية التغريب.وكان يعتمد بريشتصاحب المسرح الملحمي السياسي على المسرح الفقير الذي يخلو من الديكورات المترفة،ويستند كذلك إلى عارض سينوغرافي شفاف مع التقريب بين المشاهد القصيرة ومزجهابتدخلات خارجية. ومن أعمال بريشت نجدأوبرا كاتسوQUAT’SOUS)المعروضة سنة 1928و(الأم الشجاعة وأطفالها ) المكتوبة في سنة 1941


- مسرح أنطونين آرطو

ساهم الكاتب الفرنسي والدرامي أنطونين آرطو Antonin Artaud في كتابه "المسرح ومضاعفه" Le Théâtre et son doubleفي تجديد المسرح الغربي. وحسب آرطو،المجتمع مريض ويستلزم الشفاء العاجل؛ ولكن ليس بواسطة السيكولوجيا، بل بواسطة مسرحروحاني. والمسرح الصافي عنده هو مسرح يهدم الأشكال القديمة ويبرز حياة منبعثة. كمايعتمد آرطو على الاستفادة من المسرح الشرقي والموروثات البدائية وتجديد اللسانالمسرحي مع تدشين « مسرح القسوة" Théâtre de cruauté مع زعزعة المتفرجين وإعادة رسمالحدود الفاصلة بينهم وبين المتفرجين مع تصغير أو إزالة الخطاب وتعويضه بالأصواتوالحركات. ويتبين لنا أن آرطو يدعو إلى مسرح عالمي متعدد الأشكال الثقافية. ولكن مايلاحظ على آرطو الغموض الفكري والتصوري لأن ليس هناك نموذج درامي يشخص أفكارهالهامة سوى تجربته السيئة الحظ في سنة 1935Les Cenci "لي سينسي"التي أثارت عدةتأويلات وإطالات نقاشية متنوعة غالبا ما كانت متناقضة



مسرح ما بعد الحرب

بعد الحرب، أحس الفنانون بضرورة إقامة مسرح مدني وشعبي وملتزم
ومندمج بكل طاقاته القصوى في أحضان الحياة والمدينة.ويمكن أن نعتبر مابين 1947و1967 سنوات خصبة في تاريخ مسرح القرن العشرين إذ انتعش المسرح الشعبي والمسرحالملتزم ومسرح اللامعقول
وفي 1947، نشأ مهرجان أفينيون Avignon بفرنسا يديرهجان فيلارJean Vilar محاطا بمجموعة من كبار الممثلين مثل: Alain Cuny, Gérard Philipe, Silvia Monfort, Maria Casarès, Philipe Noiret, Jeanne Moreauوآخرينوكل هؤلاء انصهروا في بوتقة حركة إصلاح الفن الدرامي نحو لا تركيز مسرحي
وإذاكان فيلار يسعى إلى تأسيس مسرح شعبي فإن هناك من كان يخوض في قضايا الالتزام لاسيماالمذهب الوجودي مثل: Jean – Paul Sartre, Albert Camus, George Bernanos, Jean Genet, Aimé Césaire. 
وفي بريطانيا، نجد مسرحية سلام الأحد(1956) ل John Osborne اتخذت مثل رمز للشباب الغاضب لسنوات الخمسينيات. وفي الولايات المتحدةالأمريكية، اشتهر المسرح الحياتي الذي أنشأه كل من:Julian Beck, Judith Malina القائم على قواعد فنية درامية جديدة قصد تأسيس قطب المعارضة و صالة للاثقافة
وفي ألمانيا، كتب مجموعة من الكتاب عروضا درامية وثائقية متأثرين في ذلك ب Brechtمركزين على قضايا سياسية وأخلاقية واجتماعية تتعلق بالفرد. وهنا نستحضر حالةالقسيس(1963) ل Rolf Hochhuth الذي يحاكم فيه الكاتب الصمت المسؤول للبابا Pie 12 إبان الحرب العالمية الثانية


- مسرح اللامــــــــعقول

يعد
مسرح اللامعقول من أهم الحركات المسرحية الطليعية في القرن العشرين. وقد تأثرتالحركة بالفلسفة اللاعقلانية وأدب الغرابة والسريالية والدادية ووجودية سارتر. ومنرواد هذا الاتجاه المسرحي صمويل بيكيتBeckett، ويونيسكوIonesco وأرابال Arrabal وأداموف Adamov. وقد عرف مسرح اللامعقول أوجه مع سنوات الخمسين وبقي تأثيره حتىسنوات السبعين. وينبني هذا المسرح على الغرابة والشذوذ واللامنطق وانعدام الترابطالسببي حتى في اللغة واستعمال لغة الصمت واللاتواصل والحركات السيميائية الموحيةإنه مسرح يعبر عن لا معقولية هذه الحياة، ويفتقد العقد التقليدية وتنعدم فيه الحلولكما هو الحال بالنسبة لمسرحية بكيت في (انتظار غودو) ناهيك عن غموض أفكار هذاالمسرح وإيغاله في التجريد الرمزي وتكسير الوحدات الأرسطية والعبث بها كما نجد ذلكفي (الحبل المتهدل) لأرابال و(الكراسي) ليونسكو ومسرحية (الغرفة). وقد ينعدم الحوارفي هذه العروض الدرامية اللامعقولة إذ لا تتكلم الشخصيات إلا بحوار غامض أو متقطعأو بكلمة أو بكلمتين أو يكون كلاما مبهما بل نجد شخصيات صماء وخرساء مثل مسرحيةالنادل الأخرس). 
ومن الذين تأثروا بهؤلاء الدراميين نجد Edward Albee الأمريكيالذي قدم عروضا لا منطقية وغير مفهومة على غرار كتاب مسرح اللامعقول الأوربي. كمايشبهه في ذلك Harold Pinter في مسرحية (العودة) سنة 1964

المــــسرح الجديد

لقد ساهمت أفكار أنطونين أرطود في ظهور المسرح الجديد في سنوات
العقد السادس من القرن العشرين الذي جسده مسرح مختبر Wroclaw للبولوني Jerzy Grotowski، وكذلك ورشة مسرح القساوة ل Peter Brook، وكذلك أيضا مسرح الشمس ل Ariane Mnouchkine والمسرح المفتوح ل Joseph Chaikin. 
ويرتكز هذا المسرح الجديد علىالعمل الإبداعي الجماعي للممثلين بدلا من الارتكاز على النص، وتحضر المشاهدالدرامية بعد أشهر عدة من العمل مع التركيز على الحركات والإشارات والأصوات واللغةغير المسننة وعلى فضاء غير عادي ولا طبيعي. ومن النماذج التمثيلية لهذا النوع منالمسرح نذكر Marat Sade ل Peter Weiss.. 

المسرح المعاصر

إذا
كانت الطبيعية قد تم تجاوزها بعد الحرب العالمية الأولى فإن الشكل الواقعي استمريهيمن على المسرح المؤسساتي. لكن هذه الواقعية ليست سيكولوجية بل إعادة بناء واقعيةللحقيقة الاجتماعية.ومن النماذج الممثلة لها في الولايات المتحدة الأمريكية نذكر Arthur Miller , Tennessee Williams, Eugene O’Neill. 
وقد تطور المسرح الأمريكيفي سنوات الخمسين بفضل أستوديو الممثلين الذي أنشأه كل من Elia Kazan, Lee Strasberg. وكون هذا الأستوديو مجموعة من الممثلين الأمريكيين المشهورين مثل: James Dean, Marlon Brando, Marilyn Monroe, Paul Newman, Elizabeth Taylor. وقد اعتمدستراسبرغ في منهجيته الدرامية على نظريات ستلانيسلافسكي Stanislavski، وأعطىالأولوية للإحساس والبحث عن لعبة حية عصبية وطبيعية. وسمحت هذه التقنية في العملللممثل لكي يتحرر من سيطرة النص والمخرج وأن يرتجل كلامه، وأصبح هذا الارتجال اليوممرحلة مهمة في العمل المسرحي
وإلى جانب هذا المسرح، ظهرت مسارح جانبية فيالولايات المتحدة الأمريكية كمسرح الشارع وورشات المسرح الطليعي الذي مثله فنانونمهمشون اكتفوا بالمسرح الفقير، وقدموا عروضهم في المقاهي والكنائس والملاعب
وفي أوربا وأمريكا، بدأ الاهتمام بالإخراج المسرحي خاصة مع سنوات العقدالسبعيني وذلك بتطوير السينوغرافيا وإعادة قراءة النصوص الكلاسيكية على ضوء قراءاتدرامية جديدة أدبية وسياسية واجتماعية ودراماتورجية.





- نظرة سريعة على المسرح الشعري في الأدب العربي الحديث :

عرف الفن الشعبي خيال الظل ، ولكنه كان من السذاجة بحيث لا يعد من المسرح أو من فن التمثيل ، كما سنوضح عند الكلام عن المسرح النثري .
وكانت أولى المسرحيات الشعرية التي عرفناها مسرحية (المروءة والوفاء) ، التي كتبها اليازجي سنة 1870 م ، وهي تردد الحكاية المشهورة عن الملك النعمان بن المنذر ملك الحيرة العراقية ، ويومي بؤسه ونعيمه ، ووفاء العربي الذي ضمن للنعمان أن يقدم نفسه للقتل إذا لم يف بعهده له ، ولكن هذه المسرحية كانت ضعيفة في لغتها ، وفي تكوينها الفني. 
وكتب أبو خليل القباني عدة مسرحيات استوحاها من التاريخ الإسلامي منها (عنترة ) و (ناكر الجميل) ، وهي خطوة على طريق الناحية الفنية ، ولكن أسلوبها مزيج من الشعر والنثر على طريقة المقامات العباسية المعروفة ، وسوف نعود للكلام عن أبي خليل القباني ، ونحن نتحدث عن المسرح النثري .
استمرت بعد ذلك المحاولات تتعثر وتستقيم ولا تحقق كيانها الفني ، حتى ظهرت مسرحيات أحمد شوقي فكانت فتحاً جديداً في هذا المجال ، وله من المسرحيات : (مصرع كليوباترا) التي كتبها سنة 1927م أو 1929 م ، ثم مسرحية (مجنون ليلى ) سنة 1931 م ، ثم مسرحية (قمبيز) التي كتبها سنة 1931 م أيضاً ، ثم مسرحية (أميرة الأندلس) سنة 1932 م ، أي نفس العام الذي كتب فيه مسرحيته (عنترة) .
وكانت آخر مسرحيات شوقي هي (الست هدى) ، وقد توفي قبل أن ينشرها ، كما أن له مسرحية قصيرة تم اكتشافها ، بعنوان (البخيلة) ، أذكر أن مجلة الدوحة التي كانت تصدر في قطر ، قامت بنشرها في السبعينيات من القرن العشرين .
وجميع مسرحيات شوقي في قالب شعري ، ما عدا مسرحيته (أميرة الأندلس) التي كتبها نثراً ، كما أنها جميعاً تستوحي موضوعاتها من التاريخ ، ما عدا ملهاته الوحيدة (الست هدى) ، فإنها تصور موضوعاً اجتماعياً من الحياة العصرية .
وغني عن البيان أن أحمد شوقي تأثر تأثراً كبيراً في كتاباته المسرحية بالمسرح الأوربي ، الذي شاهده وقرأه خلال رحلته التعليمية إلى فرنسا ، ورغم هذا التأثر فإن مسرح شوقي تميز بالأسلوب العربي ، والحبكة الفنية ، وظهور ملامح واضحة للشخصيات في كثير من مسرحياته ، وتلوين اللغة إلى حد ما بما يتفق معها ، ورغم قول بعض النقاد بأن أحمد شوقي كتب شعراً مسرحياً ، ولم يكتب مسرحاً شعرياً ، فإننا نؤكد على أن أحمد شوقي كان رائداً في مجاله ، وللريادة دائماً أخطاء.
ومن بعد شوقي ظهر عزيز أباظة ، وله من المسرحيات (شجرة الدر) و (قيس وليلى) و (العباسة) و (غروب الأندلس) و (الناصر) و وغيرها .. والحوار في مسرحياته أكثر حركة وأكثر اقتراباً من روح الشخصيات .
وبعض الكتاب جرب كتابة المسرحيات الشعرية في إطار ما يسمى بشعر التفعيلة أو الشعر الحر ، مثل عبد الرحمن الشرقاوي الذي كتب (مأساة جميلة) سنة 1962 م ، و مسرحية (الفتى مهران) سنة 1966 م ، ثم (الحسين شهيداً) و (الحسين ثائراً) ، وأيضاً صلاح عبد الصبور في (ليلى والمجنون ) و (مأساة الحلاج) و (الأميرة تنتظر) وغيرها من أعمال.
ثم جاء جيل قدم جهوداً إبداعية في المسرح الشعري نذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر : فاروق جويده الذي كتب (الوزير العاشق) و (دماء على أستار الكعبة) و (الخديوي) ، ونذكر أنس داود في مسرحيتيه (الشاعر) و (الصياد) ، كما نذكر جهود كل من : محمد إبراهيم أبو سنة ، ومحمد مهران السيد ، وعبده بدوي وغيرهم من الكتاب العرب في أرجاء بلادنا العربية ، وقد ذكرنا بعض الكتاب المصريين كموع من الاستشهاد فقط لا غير .
وعلى كل حال فإن كتابات كل هؤلاء كانت متأثرة بشكل أو بأخر بالكتاب الأوربيين والأمريكيين والروس ، وهذا أمر لا غضاضة فيه ، فالتأثر والتأثير أمران مشروعان .
وختاماً لهذه الجزئية : فإن الاتجاه العام الآن نحو المسرحية النثرية ، لأنها أكثر تحرراً وأقدر على التوغل في المشكلات والظواهر الاجتماعية.
المسرح النثري في الأدب العربي الحديث :- 
لم يعرف في الأدب العربي القديم شيء من المسرحيات أو فن التمثيل ، وإن وجد فيه بعض الحكايات القصصية التي برزت في فن المقامة العربية ، لكنها لا تعتمد على فن التمثيل . 
أما الأدب الشعبي العربي ففيه بعض عناصر بدائية للتمثيل ، مثل فن (القراقوز) ، ومثل تلك التمثليات التي عرفت باسم (البابات) وهي منسوبة إلى ابن دنيال العراقي الأصل ، والذي انتقل إلى مصر وعاش بها في القرن الثالث عشر الميلادي وأوائل القرن الرابع عشر الميلادي ، أي في الفترة ما بين عامي 1248 م و 1310 م .
وبقيت من بابات ابن دنيال ، بابة (الأمير وصال) ، وبابة (عجيب وغريب) ، وبابة (المتيم والضائع الغريب) ، والبابة تقوم على عرائس من الورق المقوى أو الجلد تتحرك بطريقة خاصة ، ويوضع خلفها ليلاً مصباحاً يعكس ظلالها على ستارة بيضاء ، ويدور حوار ينطق به صاحب البابة مع مساعد آخر له ، بحيث يتغير الصوت بتغير الشخصيات وتنوع مواقفها . 
وعندما جاءت النهضة الحديثة واتصلت الثقافة العربية بثقافة الغرب ، وأثمرت ثمارها ، كانت المسرحية من القوالب الأدبية التي عظم الاهتمام بها ، فأنشئ في عهد الخديوي / إسماعيل مسرح الكوميدي سنة 1869 م ، كما أنشأ دار الأوبرا المصرية القديمة ، ومثلت عليها ولأول مرة في الشرق أوبرا عايدة لفرداي الإيطالي.
ولكن أول من أدخل الفن المسرحي في البلاد العربية كان مارون نقاش ، اللبناني الأصل ، وقد اقتبسه من إيطاليا حين سافر إليها سنة 1846 م ، وكانت أولى المسرحيات التي قدمها للجمهور العربي في لبنان ، مسرحية (البخيل ) للكاتب الفرنسي / موليير ، وكان ذلك في أواخر سنة 1847 م .
غير أن هذا الفن لم يقابل في أول الأمر بترحاب أو تقدير أو تشجيع ، إذ كان الجمهور العربي في لبنان أو في غيره من البلاد العربية بوجه عام يفضل الغناء والطرب والفكاهة ، ولذلك استقبل هذا الفن الطارئ أو الوافد ، الذي لم يألفه أو يتعود عليه بشئ من الفتور . 
أما في مصر فأول مسرح عربي هو الذي أنشأه يعقوب صنوع ، والمعروف لنا بأبي نظاره ، وذلك سنة 1876 م ، وقد مثل خلال سنتين على مسرحه هذا ما يقرب من 32 مسرحية بين مقتبس من الأدب الغربي صبغه بأسلوبه صبغة محلية ، وما بين موضوع يعالج المشكلات الاجتماعية ، وكانت اللهجة العامية هي الغلبة على مسرحياته .
وفي أخريات سنة 1876 م ، وفد سليم نقاش ابن شقيق مارون نقاش ، تصحبه فرقة تمثيلية أخرجت مسرحيات مارون نقاش ، وأضاف إليها مسرحية (هوراس) للفرنسي / كورني ، ومسرحية (ميتردات) لراسين ، ثم استدعى إليه من لبنان صديقه / أديب اسحق لشد أزره ، وكان أديب قد ترجم من قبل مسرحية (أندروماك) لراسين ، ثم ترجم مسرحية (شارلمان) التي أعجب بها المصريون ، ولكن الخديوي إسماعيل على سليم نقاش وأديب اسحق عندما شاهد مسرحية (الظلوم) وظن أنهما يعرضان به ، فأمر بإغلاق المسرح .
ولما جاء أبو خليل القباني من دمشق إلى مصر سنة 1884 م مع فرقته التمثيلية ، دخل المسرح العربي في طور جديد ، لأن القباني اعتمد على التأليف المسرحي مستمداً موضوعاته من التاريخ العربي والإسلامي ، ومن التراث القصصي الشعبي مثل حكايات ألف ليلة وليلة وغيرها ، فمثلت فرقته مسرحيات : (عنترة ) و(الأمير محمود نجل شاه العجم) و (ناكر الجميل) و (نفح الربا) و (الشيخ وضاح) ... وغيرها .
وقد كتب أبو خليل القباني كل مسرحياته باللغة العربية الفصحى المسجوعة على طريقة المقامات العربية التي شاعت في العصر العباسي ، وخلط فيها النسر المسجوع بالشعر ، وقلده في هذه الطريقة عدد كبير من الأدباء .
ولكن كان الغالب على المسرحيات إذ ذاك كثرة المقطوعات الغنائية ، مع عدم الدقة الفنية في التأليف ، والضعف العام في عملية الإخراج المسرحي .
ثم انتقل المسرح العربي إلى مرحلة جديدة وذلك حين تهيأ له المؤلف المجيد ، والممثل الممتاز ، وذلك حين عاد جورج أبيض من باريس سنة 1910 م ، بعد أن درس هناك الفن المسرحي وأصوله ، وقد ألفت لهذا المسرح الجديد عدة مسرحيات اجتماعية ، مثل مسرحية (مصر الجديدة) التي كتبها فرح أنطون ، وشاهدها النظارة سنة 1913 م .
ونحب أن نشير هنا إلى أنه بعد ذلك عربت الكثير من المسرحيات العالمية بأسلوب راق ، كما فعل الشاعر / خليل مطران ، في تعريبه لروايات شكسبير (تاجر البندقية ) و (عطيل) و (ماكبث) و (هاملت) ، كما تم إعادة ترجمة بعض أعمال موليير بلغة فصيحة جميلة .
ونذكر يوسف وهبي الذي عاد هو الآخر من إيطاليا بعد أن درس السينما والمسرح ، وافتتح مسرح رمسيس بالقاهرة في 10 من مارس سنة 1923 م ، وقام على خشبته بتمثيل ما يقرب من مائتي مسرحية ما بين مترجمة ومؤلفة .
وبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت في عالم المسرح العربي المدرسة الجديدة التي عنيت بالتأليف المسرحي ، وتناولت في المسرحيات معالجة المشكلات الاجتماعية علاجاً واقعياً ، ومن رواد هذه المدرسة : محمد تيمور في أعماله (عبد الستار أفندي) و (عصفور في القفص) و (الهاوية) ، ثم محمود تيمور في مسرحياته : (حفلة شاي) و (الصعلوك) و (أبو شوشة) و (الموكب) ، وغيرها من المسرحيات التي تأثر فيها بالأدب الفرنسي تأثراً كبيراً .
ثم ظهر أكبر كتاب المسرح العربي ، وهو توفيق الحكيم الذي اتصل اتصالاً وثيقاً بالأدب الفرنسي ، وقدم المسرحية العربية المكتملة في بنائها وموضوعها وحوارها وشخصياتها ، وتنوعت مسرحياته ، وكثرت وتعددت اتجاهاتها فكان منها التاريخية والاجتماعية والواقعية والفكرية ، ثم قدم مسرحيتين هما (يا طالع الشجرة) و (طعام لكل فم) ، وهما من مسرح اللامعقول ، وقد اهتم الغربيون بمسرحياته ، ونقلوا كثيراً منها إلى لغاتهم .
ولا يمكن لأي باحث أن ينكر الجهود الإبداعية التي قام بها لفيف من كتاب المسرح العربي في عصرنا الراهن ، مما أدى إلى تنوع المسرح العربي في اتجاهاته وفي بنائه الفني ، ونذكر من هؤلاء على سبيل الذكر لا الحصر : علي أحمد باكثير ، والفريد فرج ، وسعد الدين وهبة ، و يوسف إدريس ، ومحمود دياب .. وغيرهم ، وغيرهم ممن كان لهم الأثر الواضح في النهوض بالمسرح العربي . 
وندرك مما سبق مدى تأثر فن المسرحية في الأدب العربي بالآداب الأوربية في أول الأمر ، ولكن سرعان ما انطلق الأدب العربي المسرحي بعد ذلك إلى مرحلة التأصيل ، فظهرت شخصية الإبداع الفني فيه ، بعيدة عن المحاكاة والتقليد .