بأي لغة يكتب المبدعون في المجال السينمائي ؟
بقلم : بغداد أحمد
المعجم الذي ألفه الصحفي مهدي براشد " معجم العامية الدزيرية بلسان عربي مبين " و بخاصة النقاش الصريح الذي أجراه مع صحيفة الجزائر نيوز أعاد إلى الواجهة النقاش الهام حول علاقة اللغة بالمجتمع ، و لا يمكن دراسة الظاهرة بمعزل عن المحيط الثقافي و السياسي السائد .
في الحقيقة تعتبر عواصم البلدان في العالم بأسره المحرك الأساس للمجتمعات الداخلية ، فكلما كانت قوية في ثقافتها و لغتها و فنها ، كلما أثرت على ما يحيط بها، بل إن القاهرة ظلت تنعت زمنا مديدا"بمصر " لأنها استقطبت كل ثقافات مصر ، و الحال مشابه إلى حد بعيد مع كل من دمشق و بيروت و باريس .
في الحقيقة تعتبر عواصم البلدان في العالم بأسره المحرك الأساس للمجتمعات الداخلية ، فكلما كانت قوية في ثقافتها و لغتها و فنها ، كلما أثرت على ما يحيط بها، بل إن القاهرة ظلت تنعت زمنا مديدا"بمصر " لأنها استقطبت كل ثقافات مصر ، و الحال مشابه إلى حد بعيد مع كل من دمشق و بيروت و باريس .
المعجم الذي ألفه الصحفي مهدي براشد " معجم العامية الدزيرية بلسان عربي مبين " و بخاصة النقاش الصريح الذي أجراه مع صحيفة الجزائر نيوز أعاد إلى الواجهة النقاش الهام حول علاقة اللغة بالمجتمع ، و لا يمكن دراسة الظاهرة بمعزل عن المحيط الثقافي و السياسي السائد .
في الحقيقة تعتبر عواصم البلدان في العالم بأسره المحرك الأساس للمجتمعات الداخلية ، فكلما كانت قوية في ثقافتها و لغتها و فنها ، كلما أثرت على ما يحيط بها، بل إن القاهرة ظلت تنعت زمنا مديدا"بمصر " لأنها استقطبت كل ثقافات مصر ، و الحال مشابه إلى حد بعيد مع كل من دمشق و بيروت و باريس .
و في الجزائر لم يحدد بعد المجتمع العاصمي هويته اللغوية ، و هي حالة عاشها العاصميون غداة استقلال البلاد ، و بالتالي لم يتمكنوا من تحديد طبيعة ثقافتهم و فنهم ، و لعل هذا ما ساعد الكثير من الحواضر الداخلية شرقا و غربا على منافسة مركزية العاصمة ، و إثبات الذات في المجالات الثقافية و الفنية المتعددة ، مما نتج عنه فسيفساء ثقافية مختلفة المنابع ، و هذا شيئ إيجابي إذ أعطى حرية كبيرة للمبدعين الجزائريين خارج نطاق العاصمة .
و مع ذلك أفقدت الهشاشة اللغوية السائدة بالعاصمة الجزائرية الثقافة الجزائرية الكثير من الاشياء منها انعدام الريادة و انعدام النموذج المثال ،و هما عاملان مساعدان لإثبات ثقافة أي بلد في العالم ، بل إن التدبدب و الحيرة لا يزالان باديان على الثقافة الجزائرية ، إذ لا يزال الجزائري يعاني من رواسب اللغة الفرنسية الشائعة في المجتمع الجزائري ، بحجة عالمية الأولى و محدودية اللغة العربية .
و حين يرجع مهدي براشد تراجع اللهجة الدزيرية العربية مع استقلال الجزائر إلى أسباب سياسية و يلقي اللوم على الآخر ، فإن اختيار اللغة الفرنسية كلغة وظيفية يومية كان اختيارا حرا ، و أثر سلبا على اللهجة العاصمية التي حاول الكثير من الفنانين و الشعراء إثباتها على المستوى الوطني فكانت روائع أكبر المطربين الجزائريين قبل الاستقلال بتلك اللهجة ، بل كانت الأغنية الشعبية تنافس اللهجة المغربية على نطاق المغرب العربي بالرغم من قسوة الاستعمار الفرنسي ومحاولة طمسه بشراسة لكل معلم جزائري أصيل .
إن اختيار اللغة الفرنسية في المجتمع العاصمي بعد الاستقلال مرده تأثير الاستعمار في تفكير العاصميين ، إذ كانت الجزائر العاصمة في بنيتها الهندسية المعمارية نسخة من المدن الفرنسية ، فظل الطابع الفرنسي الذي ساد المدينة قرنا و ربع قرن يفرض سلطته على كل والج للمدينة ، كما كانت الغلبة للغة الفرنسية في الفضاء العاصمي على كل وافد من داخل البلاد و بخاصة الذين حملوا معهم لهجاتهم العربية و الأمازيغية ، فكانت اللغة الفرنسية هي لغة التوافق و التفاهم على حساب اللهجة العاصمية التي تراجعت ، و لم تفرض نفسها في فضائها المكاني ، و لم تصبح بعدها اللهجة العاصمية محورية في الثقافة الجزائرية ، إذ لا يعقل أن يتخلى العاصمي عن لهجته و يستبدلها بلغة أجنبية و يرجو من الآخرين إعطاءها أهمية أكبر من اللهجات المتنوعة داخل الجزائر .
و في المجال السمعي البصري الذي نعايشه تبدو مشكلة اللغة و اللغة المحورية أكبر مشكل بالنسبة للمبدعين في مجال الدراما التلفزيونية أو الأفلام السينمائية ، و قد ينتبه إليه المشاهد أو يحسه ، ففي كثير من الأحيان يتساءل المشاهد الجزائري بأي لهجة يؤلف كاتب السيناريو قصته سواء في الأعمال الدرامية التلفزيونية أو الأفلام السينمائية ؟
و يشتد الخلط عند المشاهد حين يواجه شخصيات تعيش في فضاء عاصمي ، لكن الممثلين يتخاطبون كل بلهجته ، و هذه الظاهرة تدل على نقص في الاحترافية ، إذ المفروض أن يتقمص الممثل دوره جيدا و يتقن لغة الشخصية ، و هذا الخطأ وقع فيه ممثلون مشهورون أمثال عزت العلايلي في فيلم " الطاحونة " لأحمد راشدي ، و جمال دبوز بلهجته المغربية و هو يمثل شخصية من الشرق الجزائري في فيلم " خارج عن القانون " لرشيد بوشارب ، و غيرهم كثير .
و لعل أهم فيلم جزائري أبرز الخصائص المتميزة للهجة العاصمية " عمر قتلاتو " لمرزاق علواش ، 1976 ، في تلك السنة عرفت قاعات السينما ضجة لا مثيل لها في تاريخ السينما الجزائرية ، فبدون إشهار أو إعلام رسمي تكتظ القاعات بالمشاهدين لرؤية فيلم جديد لمخرج جديد .
"أنا إسمي عمر ، ينادونني في الحي ، عمر قتلاتو ، يعني قتلتني الرجولة ..فهم محقون ، بالنسبة لي الرجولة هي كل شيء.
في نظري يجب على الرجل أن يموت من أجل الشرف و الأنفة ...
أسكن مع عائلتي في حي شوفالييه فوق باب الواد ، قديما كان يقطنه الأوروبيون .
في حينا يوجد خمس عمارات ، تحاذيها المقبرة المليئة بالأشجار و الحشيش .
أتذكر جيدا اليوم الذي دفن فيه أبي ، قتله جنود المستعمر ، كان يوما غير عادي ..كان العلم يرفرف عاليا ..
باب الواد أصبح لنا الآن ..كان الناس يرددون عاليا :
باب الواد ...كلاه الواد "
عمر قتلاتو يعني قتلته الرجولة أي الأنفة ، سيناريو الفيلم كتبه و أخرجه مرزاق علواش ، من إنتاج الديوان الوطني للصناعة و التجارة السينماتوغرافية سنة العرض 1976 ، مع الممثل بوعلام بناني و الآخرين هم عزيز دقة و فريدة قنانش و رابح بوشتال و كريمو بابا عيسى و أرزقي نابتي ، تحصل الفيلم على الميدالية الفضية في موسكو سنة 1977 ، و كما تحصل على جائزة أخرى بكارلوفيفاري سنة 1978 .
كان فيلم عمر قتلاتو اول فيلم خيالي طويل يخرجه مرزاق علواش ، و لكنه تمكن من إظهار الجوانب الفريدة للمجتمع العاصمي من توجهات فنية أصيلة ، و العجيب أن الفيلم أظهر احادية لغوية عند شخصياته ، و لم يبن عن ثنائية أو تأثر بلغات أجنبية ، مثلما نجد في الأفلام الأخيرة لنفس المخرج .
كان فيلم " عمر قتلاتو " تصوير حي لحياة الشباب الجزائري في الجزائر العاصمة، و قد لقي قبولا عند كل الشباب الجزائري في مناطق مختلفة منه ، و كأن الحالة العامة متشابهة ، بالرغم من الاختلاف بين اللهجة العاصمية مع اللهجات المختلفة للبلاد ، و نتج عن ذلك كوميديا خفيفة تصور وقائع يومية لفئة من الشباب ، و لذلك لقي الفيلم إقبالا جماهيريا كبيرا .
لم تكن حينئذ مشكلة اللغة المحورية تشغل بال المخرجين ، و لكن الفكرة ظهرت للنقاش مؤخرا ، إذ أصبحت اللهجة الجزائرية غير مفهومة عند المشاهد العربي ، و الحقيقة أن السينمائيين يستعملون العديد من اللهجات الجزائرية في عمل
سينمائي واحد ، و قد يؤدي ذلك إلى غموض الدلالات عند المشاهد الجزائري نفسه ، و ربما يكون الحل كما أشار المخرج أحمد راشدي في حوار له مع صحيفة وطنية البحث عن لغة واضحة المعاني عند جل المشاهدين الجزائريين شرقا و غربا ووسطا .
و تكون المهمة صعبة جدا بالنسبة لكتاب السيناريو ، إذ يستوجب عليهم البحث في معاجم اللهجات المحلية المختلفة ، كما يجب على الممثلين الجزائريين التحكم في تلك اللهجات ، و الابتعاد عن التلقائية المفرطة التي تنتج ممثلين نمطيين يستعملون نفس اللهجة مع تعدد الأدوار و اختلاف الشخصيات .
و يبقى الفيلم الوحيد الذي وفق مخرجه مع كاتب السيناريو من الدنو من لغة مفهومة تجمع بين العربية الفصحى و اللهجة الجزائرية هو فيلم " الشيخ بوعمامة " لبن عمر بختي ، وجمع السيناريو بين المخرج و بوعلام بسايح ، و يبدو أن الاشتغال على الحوار كان عميقا ، و كان أداء الممثلين جيدا و بخاصة عثمان عريوات .
وبهذا يجب التأكيد على أهمية الحوار في الأفلام السينمائية و الأعمال الدرامية ، فحتى أكبر كتاب السيناريو يقعون في ورطة الحوار لذا يستعينون عادة بكتاب مختصين في الحوار ، و هذا ما وقع فيه المؤرخ و الروائي الفرنسي المشهور هنري دو تيران مع روايته " جزائر الأوهام " التي طبعت سنة 2000 و كان اشترك في كتابتها مع روبير سولي ، و حولت الرواية إلى فيلم تلفزيوني مسلسل في حلقات يحمل نفس العنوان ، أخرجه فرنسوا لوسياني 2001 .
و بالرغم من كتابة السيناريو و الحوار من طرف الروائيين هنري دو تيران و روبير سولي إلا أن الحوار باللغة العربية المرتبط بشخصية الأمير عبد القادر الجزائري كان فاشلا ، إذ صور المخرج الأمير عبد القادر يتحدث بلهجة مغربية أفقدت الشخصية بعدها التاريخي الحقيقي ، و هذا بالرغم من الاداء الجيد للممثل المغربي .
و مع المشروع الكبير لنقل حياة الأمير عبد القادر الجزائري إلى فيلم سينمائي ، قد تشكل اللغة أو اللهجة المستعملة في الحوار عائقا كبيرا لكتاب السيناريو ، لذا يجب الأخذ بعين الاعتبار فكرة المخرج أحمد راشدي ، بتبني لهجة جزائرية قريبة من الفصحى على الأقل في الأفلام التاريخية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق